قصص

قصة بيت الغريب

كنت شايفه، واقف على طرف السرير وباصصلي كإنه بيحرصني وأنا نايم، لكن كائن زي اللي قدامي ده، مستحيل أصدق إنه بيحرسني، وعشان تفهمني، هشرحلك شكله، هو طوله طبيعي زي البني أدمين، وحتى شكله، مش بعيد عن شكلنا، لكنه أصلع وعينه داخله لجوة، كإن حد ضغط عليه جامد ودخلها، وحتى جسمه، كان نحيف بشكل كبير، لدرجة إني شايف كل فقرات جسمه، ده غير إن ضهره كان محني، حاجات وصفها بس يقشعر جسمك، ما بالك بقى باللي بيشوفه كل ليلة وكل لحظة بينام فيها، أه، أنا بشوف الكائن ده كتير، أصل الحلم ده ملازمني من وأنا صغير، وزمان كنت بصحى مخضوض منه، لكن بعد فترة اتعودت، خاصة إنه بيتكرر ومش بيحصل حاجة جديدة، بس اللي حصل المرة دي، كان مختلف عن أي مرة تانية، لإن الكائن ده اتحرك من مكانه وقرب مني أوي، لدرجة إنه قعد على طرف السرير وقالي:
-خلاص.. مابقاش له لزوم مراقبتك، انت دلوقتي معانا، وده مش بمزاجك، إلا في حالة واحدة، إنك تطيع أوامرنا ومن البداية.
رديت عليه وأنا مرعوب وبحاول أقرص نفسي عشان أصحى:
-أكيد ده حلم وانا هفوق دلوقتي، أيوة، هفوق دلوقتي.
-هو أه حلم، بس انت مش هتصحى غير بـ أمر مننا، فـ ماتحاولش تغيير الواقع والمستقبل، عشان انت معانا من زمان أوي.
-أنتوا مين وأنا معاكوا فين؟.. وايه الحلم البشع اللي أنا بحلم بيه ده؟
كلام مش مترتب ومش موزون، لإني في موقف زي ده كنت مرعوب، وأيام طفولتي ابتدت تتعاد قدامي، لكني مش فاكر حاجة، وكل اللي فاكره هو جدي، الغريب.. أو زي ما كانوا بيسموه زمان.. الدجال:
-أنا عارف إنه في بالك طول الوقت، بس كله بمزاجنا، وقريب أوي هتفهم.. هنستناك
فوقت من الحلم وانا شرقان وجسمي كله ماية من العرق والتوتر، ولإني لسه مش مستوعب اللي بيحصل، حاولت اقوم أغسل وشي، لكن من الرعب اللي حسيت بيه، رجلي كانت سايبة ومش قادر أقوم عليها، عشان كده فضلت شوية أستوعب اللي بيجرى، وبعد ربع ساعة تقريبًا عيدت فيها الحلم مليون مرة، قومت ودخلت الحمام، فتحت الحنفية وغسلت وشي، جيت أبص في المرايا، لقيت شخص تاني باصصلي فيها وبيقولي:
-هتيجي يا منصور، وأنا مستنيك.
الشخص ده ماكنش غريب عليا، ده كان جدي الغريب، بس ازاي.. ازاي هو قدامي دلوقتي، سؤال جتلي اجابته لما لقيت الكائن اللي بيظهرلي في أحلامي ده داخل من باب الحمام وهو بيعرج، ولإني مش هعرف أهرب، رجعت كذا خطوة لورا لحد ما ضهري لمس الحيطة، وقتها ماكنش قدامي غير إني أقوله:
-أرجوك سيبني.. أرجوك.
ماداش أي اهتمام لكلامي وقرب مني أكتر، ومرة واحدة، رفع ايده وحطها على راسي، بعدها عينه ابيضت وهو بيقول في كلام غريب، خلاني واحدة واحدة أفقد الوعي، ولما فوقت المرة دي، كنت على سريري برضه، لكن موبايلي كان جنبي وبيرن، واللي بيتصل وقتها كان مدير ورشة المهندسين، كان بيتطمن عليا وبيسألني لو كنت جاي النهاردة، سؤال غريب، خلاني أبص في الساعة، وهنا كانت الصدمة، لما بصيت فيها ولقيتها 12 الضهر، فترة كبيرة أوي نمتها وانا مش حاسس، عشان كده قومت، خدت دش ولبست هدومي بعدها نزلت الورشة، ومن عند الحلمين أو الحلم المرعب ده، بتبتدي الحدوتة، ما بين الجدران.
**
من ساعة ما هربت من البلد زمان وأنا لوحدي وعندي عشر سنين، حياتي بقت أحسن كتير، اتعرفت على الأسطى مرزوق، صاحب ورشة لصيانة السيارات، خدني  تحت جناحاته واعتبرني زي ابنه، ده غير إنه علمني الصنعه وخلاني معلم فيها، وبعد سنين وانا تحت جناح المعلم وهو بيضلل عليا، الجناح اتكسر والشمس  نوّرت حياتي، لإني من بعدها، فتحت ورشة خاصة بيا، وزباين كتير كانوا بيجولي مخصوص، ومش بس كده، ده بقى بيتقالي يا باش مهندس، لدرجة إن فيه منهم بيرفض إن أي حد يشتغل في العربية بتاعته غيري وبـ ايدي، حتى لو ده كان هيدفعهم مبلغ أكبر، وده طبيعي ومايزعلش حد، وهم رزقهم واسع، مايفرقش معاهم الحاجات دي، لكن مش ده اللي جاي اتكلم عنه النهاردة بالخصوص، واللي جاي أتكلم عنه، هو اسم الورشة بتاعتي، واللي سميتها قيمة، وقيمة بدل ما بقت ورشة، بقوا اتنين، وسبب الاسم ده هو أبويا الخلفاوي، أصله زمان لما كنت عايش معاه في البلد، خدني من بيت جدي الغريب، وخلانا نقعد عند بيت جدي التاني أبو أمي الله يرحمها، لكن معاملة أبويا كانت قاسية وشديدة عليا، كان بيحسسني إنه بيكرهني أو فيه حاجة مش حاببها فيا، شيء خلاني عايز أبعد عنه يوم بعد يوم، بالخصوص بعد ما جدي الغريب اختفى في بيته، وأه.. هو اختفى في بيته وسط ظروف غريبة ماحدش فاهمها، ومن بعد ما أختفى، حياتي بقت أسوأ، لإن أبويا بقى بيعاملني بطريقة أقسى من اللي قبليها، لدرجة إنه في يوم، زعق فيا وقالي أغور من هنا ومارجعش تاني حتى لو على موته، ماصدقتش خبر وقتها وهربت على مصر، لكن الموقف ده عمري ما نسيته، ازاي أب يخلي ابنه اللي عنده عشر سنين يمشي والدنيا تخبط فيه في السن ده، وده السؤال اللي فضل على بالي سنين وسنين، واجابته كنت ومازلت مستنيها، وأخيرًا جتلي الفرصة اللي هكسر فيها كبريائي وهروحله، لإن اللي خلاني مارحلوش برجلي وبـ إرادتي عشان أسأله بنفسي، هو كبريائي، ودلوقتي جتلي الفرصة دي، والفرصة جتلي لما نزلت الورشة ولقيت تليفون الشغل بيرن، قومت رديت على اللي بيتصل ولقيت واحد بيقولي:
-ألو سلام عليكم، الأستاذ منصور الخلفاوي معايا؟
-أيوة.. مع حضرتك، تؤمر بـ ايه؟
-ألو.. سلام عليكم، الأستاذ منصور معايا؟
-يا سيدي ايوة معاك، حضرتك تطلب ايه؟
-أبوك.. الحاج الخلفاوي الغريب.
بمجرد ما سمعت اسم أبويا صُعقت، وقبل ما يكمل كلامه قولتله:
-وانت تعرف أبويا منين؟
-يابوي عليك، اسمعني يا ولد عمي، الشبكة عندينا ضايعة.
-طب قول قول.
-أبوك، الحاج الخلفاوي الغريب، عم بيموت، اللهم بلغت بقى يا ولد عمي.
-ومين اللي قالك تكلمني، وجبت رقمي منين؟
-وهل يخفى القمر برضه يا أستاذ، ورشتك مغرقة الانتر نت، والحاج هو اللي طلب مني أطلبك، لاحسن هو عايز يقولك سر واعر قوي قوي.
-أنت متأكد من اللي انت بتقوله ده يا أخينا ولا بتهزر؟
-متأكد طبعًا يا أستاذ، لكن ماتنساش أخوك حلاوة في الحلاوة، هي صحيح موته، لكن فيها سر واعر قوي قوي.
-حلاوة.. طيب.. سلام انت يا حلاوة، بس عارف لو طلع مقلب، مش هسيبك.
-ألو.. سامعني عاد، يا أستاذ منصور.
ماقدرتش أستحمله دقيقة كمان وقفلت في وشه السكة، بعدها قعدت مع نفسي وفضلت أقلب الموضوع في دماغي، وقتها لقيت الواد زؤلة اللي مشغله صبي في الورشه قعد جنبي وهو بيقولي:
-ايه يا باش مهندس، مالك النهاردة مش مظبوط كده ليه؟
-مش عارف ياض يا زؤلة، فيه موضوع كده شاغل بالي ومش طالع من دماغي.
-ايه هو بس يا باش مهندس، رسيني وأنا هديك المفيد.
-ما أنا جايلك في الكلام أهو، أصل أبويا الحاج الخ… ايه ده، انت قاعد كده ازاي وبتكلمني بالطريقة دي، قوم ياض شوف شغلك، أنا مش فايقلك ودماغي مش فيا.
-بقى كده يا معلم، ماشي ماشي.. براحتك، بس افتكرها.
-افتكرها ايه ياض، قوم لاحسن أخصملك.
-لا، وعلى ايه بس يا باش مهندس، أنا زي الفل كده.
لما قام الواد زؤلة، فضلت أخد وأدي مع نفسي، وفي الأخر وصلت لحاجة واحدة، وهي إن دي فرصتي الوحيدة عشان أسأله وأقوله ليه.. ليه على حاجات كتيرة هو عملها فيا، ومش بس كده، ده أنا هرويه أنا بقيت ايه وعامل ازاي، هقوله في وشه إني الباش مهندس منصور، اللي ماحدش يقدر يكسرله كلمه ولا يعاديه، وقتها بس قلبي هيرتاح وهحس إني خدت بتاري، أه.. أصله مش مُجرد حق، ده تار وأنا لازم أخده ومش هسيبه، وفعلًا، بعد ما خلصت اليوم في الورشة وقررت إني أروح البلد، قولت لمديرين الورشيتين أني مش هاجي اليومين الجايين وهسافر البلد، ولو فيه مشكلة مش عارفين تحلوها، كلموني، وبعد ما رسيتهم على النظام اللي هتمشي بيه الورشتين اليومين اللي جايين، رجعت البيت حضرت كام حاجة للسفر، بعدها خدت عربيتي موديل السنة وطلعت بيها على البلد، وعلى الرغم من إني عارف إنها هتتبهدل مني، إلا أني قررت أخدها عشان أوريله بعينه أنا مين، وبعد ما اتحركت ووصلت هناك، نزلت قدام بيت جدي الغريب، وقتها سألت لو كان أبويا قاعد هنا، وعكس ما كنت متوقع، لقيت واحد من البلد وقفلي وقالي:
-يابوي، من ميتى الأشكال النضيفة دهين بتنزل البلد حداتنا.
-يا أخينا أنا سألتك سؤال، الحاج الخلفاوي فين؟
أول ما سمع اسم الخلفاوي وشه اتقلب وهو بيقولي:
-خلفاوي، من ميتى وحدا بيسأل عن ولد المركوب دهون.
-لا بقولك ايه، اظبط كده، اللي بتتكلم عنه ده أبويا، ومهما كان ماسمحش لحد يقول عنه كلمة وحشة، أنت فاهم.
-كمان ابنه، تعرف ايه عن أبوك يا أستاذ، الخلفاوي كبر وخرّف، ومن يوم ما خد قراره إنه يقعد في البيت دهون، بقى زي الدجال، نسمعوا أصوات وحاجات غريبة جوات البيت.
-أصوات ايه مش فاهم؟.. أنت بتقول ايه يا راجل أنت.
-بقول اللي بيحصل واللي بيسمعه أهالي البلد، أصل اللي انت ماتعرفهوش، إن بعد ما ابن الخلفاوي هرب، اللي هو انت على حديثك، الخلفاوي عاود يفتح البيت بعد ما الدجال اختفى.
-بقولك ايه، فكك من الكلام ده عشان مش واكل معايا، وبعدين فين اللي اسمه حلاوة ده، هو اللي كلمني وقالي أجي، ماتعرفلوش طريق.
لما جبت سيرة حلاوة برقلي وهو بيقولي:
-حلاوة!.. حلاوة مين عاد.. حلاوة اتوفى من سنين يا أستاذ.
-اتوفى ايه يا راجل يا مخبول، بقولك اتصل بيا وكلمني كمان.
-أمارة.. أمارة على كونك ابن الخلفاوي، مخابيل، مخابيل يا ولاد المراكيب.
قال كده واخد بعضه بعدها مشي، أما أنا ضربت كف على كف وقولت لنفسي
تتبع.

بيت الغريب
٢
قال كده واخد بعضه بعدها مشي، أما أنا ضربت كف على كف وقولت لنفسي(لا حول ولا قوة إلا بالله، هي ايه بلد المجانين دي).. وعشان أنا مش فاضي للهبل اللي بيحصل ده، خبطت على باب البيت لقيته مفتوح، بعدها سمعت الخلفاوي من جوة وهو بيقول بصوت واضح عليه كبر السن:

-مين على الباب، أنا قولت ماحدش يزورني واصل.

ماديتش أي اهتمام لكلامه ودخلت الأوضة اللي كان قاعد فيها، ولما دخلت، لقيته فارد جسمه على السرير، وأول ما شوفته، كان باين عليه كبر السن بشكل كبير، لدرجة إنه كان بياخد نفسه بالعافية، لكنه لسه زي ما هو، كلامه سم مايتبلعش، لأني بمجرد ما دخلت الأوضة بص لي وقالي:

-هو فيه حد غريب يخش بيت مايعرفهوش، خد بعضك وامشي يا أستاذ، أنت ماتعرفش أنا ممكن أعمل ايه، ولو جاي في شغل، الشغل انتهى والصحة يدوبك.

-شغل ايه يا خلفاوي، هو انا عمري شوفتك بتشتغل.

-قليل الذوق واصل، تعرفني منين عشان تحدثني بالطريقة دهين.

-كمان نسيتني.. نسيت ابنك يا خلفاوي.

أول ما قولتله إنه ابنه، اتصدم وحاول يقوم من مكانه، لكنه ماقدرش وفضل قاعد على فرشته:

-منصور!.. ايه الللي جابك يا ابن الخلفاوي، مش كنت مشيت وانقطعت الأخبار عنك.

-ورجعت مرة تانية، والمرادي عشان تعرف أنا مين وبقيت ايه، ولو كان ينفع أدخلك بالعربية موديل السنة جوة البيت، كنت عملت كده وزيادة.

-مايهمنيش.. مايهمنيش يا ابن الخلفاوي، كل اللي يهمني ويخصني، هو إني مش عايز أشوف وشك تاني، فاهم؟

-كلمتني ليه طيب.. ها، رد عليا، ما انا كنت بحاول أنساك سنين، وأنت في خيالي ومش فارقني، وكل مرة كنت بقول لنفسي إني هجيلك، برجع في كلامي، لكن لما انت كلمتني وقولتلي تعالى، جيت.. بس ماكنتش اعرف انك جايبني تقل مني زي كل مرة.

-حديث ايه اللي بتتحدث عنه ده ياض، أنا كلمتك، ميتى كلمتك، وازاي وأنا ماعرفلكش طريق جُرة.

-ازاي.. أنا حلاوة هو اللي قايلي انك بتموت وعايز تشوفني، والصراحة انا مش جاي عشان انت بتموت أو غيره، أنا جاي عشان أسألك ليه.. ليه عملت فيا كده، ماصعبتش عليك ولو لحظة؟

-حلاوة!.. حلاوة اللي بتتحدث عنه مات من سنين.

-لا.. ده انتوا مجانين بقى، مات ازاي يعني، انا متأكد إنه كلمني، وبعدين هعرف اسمه منين لو بيتهيألي.

-تمشي.. تمشي ودلوكيتي، فاهم؟

-لا مش فاهم، ومش همشي زي المرة اللي فاتت غير لما أعرف ليه.

-هيقتلوك يا غبي، هم رايدينك ومش رايدين غيرك، ووجودك في مطرحهم، يعني هم اللي حدثوك، مش حلاوة.. حلاوة بقى روح، روح شريرة.

-أنا مش فاهم حاجة، انت بتقول ايه؟

-بقول إنك لا…

مالحقش يكمل جملته وحط ايده على قلبه، بعدها بدأ يتشنج وعينه أبيضت، وفي لحظة، جسمه وقف عن الحركة وعينه رجعت طبيعية، لكن مش كل حاجة رجعت طبيعية، لإنه كان قطع في النفس، أبويا مات.. مات قبل ما يجاوبني على السؤال اللي استنيت اجابته سنين، يعني حتى في موته أزاني، وقبل ما يقطع النفس بلحظات، كان بيعاملني بطريقة قاسية، مش فاهم لحد دلوقتي هو بيعاملني بيها ليه، بس واجب عليا دفنه، هو في الأوب والأخر أبويا، وفعلًا، عملت عزا ماجاش فيه ناس كتير، وكل اللي جُم وقتها، ماكنش على لسانهم غير حاجة واحدة، وهي إن البيت ده ملعون وفيه حاجة، لدرجة انهم ماكنوش بيخشوا جوة، والللي كان بيجي بيقعد من برة برة وبيمشي، شيء خلى الفضول يزيد جوايا تجاه البيت، والسبب ورا اللي بيحصل، أنا أه عارف إن جدي كان شهرته الدجال، لكني ماعرفش قصته كويس، ولما كنت بسأل أبويا عنها، كان بيزعقلي وبيقولي ماسألش في الحاجات دي تاني، بس مش كلام الناس بس هو اللي زوّد فضولي تجاه البيت، لأ، ده اللي حصل بعدين، كان أقوى بكتير، لإن لما دفنا أبويا والعزا خلص، ماكنتش قادر أسوق وأرجع بالعربية، عشان كده قررت أبات في البيت ليلة وعلى فرشة أبويا، وبمُجرد ما قفلت البيت وفردت ضهري على السرير، سمعت صوت حاجة بتتحرك حواليا، طلعت موبايلي وولعت الكشاف، وقتها لاقيته مش شغال، مع إن الموبايل غالي وصعب حاجة زي كده تحصل، ومع ذلك، إلا أني قومت وولعت النور، بس برضه الأنوار ماكنتش شغالة، في اللحظة دي ضربت كف على كف وقولت لنفسي(هو في ايه، ايه البلد المنحوسة دي).. لكن العيب ماكنش في البلد.. العيب كان في البيت، لإني لما لفيت ضهري ناحية السرير مرة تانية، شوفت قدامي نفس الكائن المرعب، والمرادي كان مبتسم ابتسامة من الودن للودن، وبمُجرد ما بصيتله قالي:

-مش قولتك إنك أنت اللي هتيجي يا منصور، بس افتكر، كله غصب عنك، مش بـ إرادتك.

-انت مين وعايز مني ايه بالظبط، وايه اللي بيجرى هنا؟

-هتعرف، بكرة هتعرف، لكن افتكر، لو حاولت تهرب، هتلاقينا قدامك وراصدينك، احنا معاك من زمان أوي يا منصور، وعمرنا ما هنسيبك، ولو عايز تعرف احنا مين، هتعرف.. بس خليك معانا وشق الجدران، وقتها بس هتفهم.

-اشق الجدران، يعني ايه اشق الجدران؟

-يعني تطلع العهد وتكمل اللي جدك بدأه، انت شبهه يا منصور، واحنا عايزن اللي زيك.

-انتوا اكيد..

ماكملتش الجملة وقاطعني وهو بيقولي:

-ماتستعجلش، بكرة هتفهم كل حاجة.. عند الخالة.. الخالة حليمة.

واختفى، ومع اختفاءه، فوقت من النوم وأنا عرقان، وكل اللي كان في دماغي وقتها حاجة واحدة، وهي إني لازم أمشي من هنا وفي أسرع وقت، لكن برضه، حتى لو مشيت هرجع تاني لأحلامي اللي أنا مش فاهمها، واللي اتطوّرت بصورة كبيرة الفترة الأخيرة، وعشان أفهم اللي بيحصلّي بالتفصيل، كان لازم أخد الخطوة اللي لو أخدت نصيحة حد فيها، هيقولي أوعى تخطيها، والخطوة دي، هي إني أسأل عن الخالة حليمة وأروحلها، وفعلًا، ده اللي قررته وخرجت من البيت، ولما خرجت، واتطمنت على العربية واتمشيت شوية في البلد، وبعد مدة، حسيت إني بعدت عن البيت، وقتها ابتديت اسأل عن الخالة حليمة، لكن كل ما كانت أسأل حد، كان بيسيبني وبيشمي، وقرل ما بيمشي، كان بيديني نظرة غريبة، توحي إن حليمة دي وراها سر كبير، وبعد نص ساعة تقريبًا بحاول أعرف أي معلومة، واحد سمعني وأنا بسأل حد عنها، قام وقف معانا وقالي:

-سيبك منك يا ولد عمي، الكل خايف من الخالة، ووقت الصعب، يرجعولها طوالي.

-لا معلش، انا مش فاهم انت تقصد ايه، هي الخالة حليمة دي بتعمل ايه بالظبط.

-بتعمل ايه!.. قول مابتعملش ايه يا ولد عمي، الخالة حليمة تكشف المستور والغايب.

-طب وأنا أوصلها ازاي الست حليمة دي، لو ماكنتش هاخد من وقتك يعني.

-الطريق سهل، لكن المعاد واعر، الست حليمة ماتفتحش أبوابها في أيام روحانية، والأيام دي قاقله أبواها.

الراجل اللي كنت واقف معاه في الأول سمع الكلام ده ومشي، أما أنا خلقي كان ضيق وعايز افهم اللي بيجرى وأمشى، عشان كده قولتله وانا متعصب:

-يا سيدي والمغلق نفتحه، قولي البيت فين ومالكش دعوة انت.

-غلطان، لكن المساعدة واجبة، وأنا هقولك.

وصفلي البيت موجود فين ومشي، وقتها خدت بعضي ومشيت على الوصف ده لحد ما وصلت لبيت قديم، حيطانه مشققه وأبوابه كلها مفتوحه، يعني لا فيه أبواب مغلقة، ولا كلام من ده، وعشان مافيش وقت للتعجب، دخلت البيت وأنا بقول:

-سلام عليكم، الخالة حليمة هنا.

ماحدش رد، عشان كده كررت الجملة تاني، لكن برضه ماحدش رد، وقتها حسيت إن الراجل غفلني ووصفلي بيت تاني، ولإني من البداية كنت حاسس إن البيت فاضي، أخدت بعضي وقولت أمشي، لكن قبل ما أطلع من البيت سمعت صوت واحدة عجوز بتقولي:

-يا مرحب بالغاليين، قالولي إنك حاضر، قولتلهم أكيد حلم أو غايب.

سمعت الكلمتين دول ولفيت وشي لمصدر الصوت، وقبل ما أنطق واسأل هي فين، لقيتها بتقولي:

-خش طوالي، هتلاقيني قاعدة حداتهم.

دخلت الأوضة اللي في وشي ولقيت واحدة لابسة جلابيه سودة وفيها تطريز خفيف بنفس اللون، ولما بصيت في عينيها، لقيتها باللون الأبيض، وقبل ما أستغرب أو اسأل على حاجة، لقيتها بتبسم وهي بتقولي:

-العمى عمى القلوب يا ولدي، وانا أشوف أكتر من الشوافين وبكتير.

-أه.. الف سلامة عليكي يا …

-حليمة، حليمة ومن غير خالة، ده انت الغالي والمنتظر، تشبه جدك في حركتك وطريقة كلامك، حتى ولو كانت اللهجة مختلفة.

-اه.. ده انتي تعرفي جدي كمان.

-هنقضيها استغراب يا ولدي؟.. اقعد اقعد.

شديت كرسي قديم كان قريب منها وقعدت عليه بعدها قولتلها:

-أنا مش فاهم وعايز افهم، ايه اللي بيحصل بالظبط؟

-هقولك يا ولدي، أصلها رسالة وجب قوالتها، وجه معادها، وأنت قصتك واعرة بداية من الغريب، دجال البلد وحامي أرواحها.

-لا معلش بس يا ريت تكلميني زي ما انا بكلمك وبلاش ألغاز.

ماديتش اهتمام لكلامي وكملت وهي بتقول:

-القصة وما فيها، إن من قبل ما تتولد، الغريب لقى..
تتبع.

بيت الغريب
٣
ماديتش اهتمام لكلامي وكملت وهي بتقول:
-القصة وما فيها، إن من قبل ما تتولد، الغريب لقى كتاب في بيت، بين الجدران، والكتاب اللي أنا بتحدث عنه، بيختار صاحبه زي ما اختارك.
-وايه لازمته الكتاب؟
-تتواصل مع الأرواح وتتحدث معاهم، قدرة كبيرة كانت مع الغريب، خلت ناس كتير من بلاد بعيدة يـ أنسوه، بيطلبوا منيه طلبات واعرة، مايحلهاش غير الأرواح.
-دجل وشعوذة يعني؟
-لا يا ولدي، الدجل لينا، والشهرة له، لكن الحقيقية، هي إنه روحاني كبير، يعرف المستور، وينبه عن أي فخ قبل ما تقع فيه، ومش شطارة، دي أسرار بين الحيطان، تعرفها الأرواح، وتبلغ عنيها.
-وأنا ايه علاقتي بكل ده؟
-من صغرك حضرت وشوفت كتير، لكنك كنت صغير مش فاهم، ولما وقع عليك الاختيار انك  هتكون الوريث، ارتعب الخلفاوي وأخد جنب من الغريب، اتهمه إنه لوثك ومسك بالسحر، لكن القصة أكبر بكتير، والخيرات اللي هتعود عليك كبيرة، لكن الخلفاوي رفض، بعدك وقالك كلام قاسي يكرهك فيه، وفي المقابل، سلم روحه ليهم وبقى يخدم ويقول حاضر.
-يعني أبويا ماكنش بيكرهني، وكان بيعمل كل ده عشان يبعدني عنهم مش أكتر.
-حُصل يا ولدي، لكن الخلفاوي مافهمش إن اللي عايزينوا ورايدينوا، هيبقى ليهم مهما طال الوقت، ومع موته انكسر العهد بيناتهم، ودلوكيتي، عليك الدور، ولو مش بـ إرادتك، هيكون غصب عنك.. فاهم يا ولدي.
-بس أنا مش عايز، أنا مش عايز أبقى زي جدي، ولا عايز أعمل اللي هم عايزينوا مني، وبعدين انتي عرفتي كل ده منين؟
-حاولت أكون معاهم وأخد من خيراتهم اللي داقها الغريب، لكن قدرتي محدودة، ورسايلي سهلة ومحفوظة، يعرف عنها كتير من أهالي البلد، ونصيحتي ليك يا ولدي، هي إنك تكون وبدون طمع، ولما الغريب طمع، خسر كتير.
-ايه اللي حصله، أنا فاكر إن جدي اختفى لكن ماحدش لاقاه لحد دلوقتي.
-ولا هتلاقيه يا ولدي، الغريب معاهم ومحبوس، ويوم ميراثك، هيكون يوم الافراج عنيه وعن روحه الطماعة.
-الكلام ده مش حقيقي، وبعدين هو انا يوم ما هسمع.. هسمع منك انتي.
-نصيحة تانية قبل ما تخرج غضبان وخايف، هروبك، هيسرع الأمور، لكنه عمره ما هيلغيها.
قومت من مكاني وانا متعصب، لكن في نفس الوقت خايف ومتوتر، لدرجة إني ريقي نشف وماكنتش عارف اتكلم، وقبل ما أطلع من البيت، سمعتها بتقولي:
-مع السلامة يا منصور، قربت يا ولدي.
خرجت من البيت واتمشيت جنب الترعة وانا دماغي هتنفجر، وبعد تفكير، قررت أمشي من بلد المجانين دي بسرعة، واهو أحلم بيهم، أحسن ما أفضل معاهم، وفعلًا، أخدت قراري ورجعت البيت، خدت كل حاجة تخصني واللي ماكنوش كتير وجيت أطلع برة عشان أمشي، لكن قبل ما أمشي، لقيت موبايلي بيرن، وعماد مدير الفرع التاني هو اللي كان بيتصل بيا، رديت عليه ولسه كنت بقوله ألو، لقيته قالي وهو متوتر:
-مساء الخير يا باش مهندس منصور، احنا واقعين في مشكلة صغير جوة الفرع ومش عارفين نتصرف ازاي، والموضوع هنا فقد السيطرة تمامًا.
-ايه اللي حصل يا عماد، فهمني؟
-عميل شكله غريب وباين عليه شحات، دخل الفرع وعامل مشكلة كبيرة، كمان بيقول انه مش هيمشي من هنا، غير ومعاه باش مهندس منصور، واحنا حاولنا نمشيه كتير، لكن ماحدش عارف يتكلم معاه ولا ياخد منه لا حق، ولا باطل.
-يعني ايه الكلام اللي بتقوله ده، انا راجع من السفر دلوقتي، والسكة طويلة ومش قصيرة.
-طب نعمل ايه يا باش مهندس، الدنيا واقفة والعملا بيمشوا، كمان ااا.
قبل ما يكمل الجملة، الشخص اللي كان عنده ده شد منه الموبايل وقالي بصوت أنا عارفه كويس:
-مش هتعرف تمشي يا منصور، انت معانا، واحنا اخترناك.
اللي بيكلمني كان الكائن اللي عمره ما فارق أحلامي، ولإني كنت خايف قولت:
-انتوا عايزين مني ايه؟!!.. هااا.. عايزين مني ايه، سيبوني في حالي بقى، أنا مش عايز أكون معاكوا، أنا حياتي أحسن من غيركوا.
-جيت أدور وشي وانا بتكلم، لقيت الكائن ده قدامي ولازق فيا، لدرجة إن انفاسه كنت حاسس بيها، وقتها لقيته بيقولي:
-احنا السبب في كل اللي انت فيه، احنا السبب في القيمة وفي مكانتك دلوقتي، ومعانا هتبقى قيمة أكبر، وبرضه.. غصب عنك ومش بمزاجك، فاهم؟
قال كده وحط ايده على راسي، وفي اللحظة دي، البيت اتبدل حالة، وأقصد بـ اتبدل حالة، يعني كل حاجة بقت أنضف وأجدد، وقتها شوفت جدي، كان قاعد على الكنبة وفيه طفل بيلعب في الدقيق على الأرض، لحظات وعرفت مين الطفل ده، لما سمعت الكائن بيقولي ان ده أنا، وفي وسط ما كان بيكلمني، جدي قام من على الكنبة وهو مخضوض، فضل يبص حواليه بخوف وقلق، وبعد لحظات، عينه ابيضت وابتسم، بعدها شد الكنبة، وبـ ايده، فضل يكسر في الحيطة، وعلى الرغم من صعوبة اللي بيعمله، إلا أنه قدر يعمل كده، وبعد مدة قعد يكسر فيها، خرّج من الحيطة كتاب كبير وشكله غريب، كان متغطي من برة بجلد لونه فاتح شوية، ومكتوب عليه العهد مع كلام مش مفهوم، وحتى اللي جواه، هو كمان ماكنش مفهوم، ومع ذلك، جدي فتحه وفضل يقرأ فيه، وكان كل ما يقول كلمة زيادة، كان الطفل اللي هو أنا بيعيط بصوت عالي، ومع ذلك، جدي ماكنش مدي أي أهتمام ليا، بالعكس، ده كمل اللي بيعمله، وبعد ما خلص، وقع على الأرض أغمى عليه، وقتها أبويا داخل من الباب، وأول ما شاف جدي بالشكل ده، جري عليه وقومه، بعدها قعده على كرسي جنبه وحاول يفوقه، كل ده وأبويا مش واخد باله من الكتاب اللي في ايد جدي، لإنه لما أخد باله منه، حاول يشده منه ماعرفش، كان ملزوق في ايد جدي ومش راضي يطلع، ومش بس كده، ده جدي فاق في اللحظة دي، كمان بص في عيون أبويا بنظرة حادة:
-كل شيء هيتغيير يا ولدي وللأحسن، هم معانا وهيفضلوا معانا، لكنهم رايدينوا، رايدين منصور ضناك.
رد عليه أبويا وهو مش فاهم:
-منصور!.. مالك يابا، انت بخير.
-هم اللي اخترونا يا ولدي، والإختيار إجبار.
دار الحوار بينهم هم الاتنين عليا، وإن أنا الوريث له، ولما أبويا قاله انه هياخدني وهيمشي، جدي قاله إن مافيش هروب، ومهما عدت السنين، هبقى ليهم ومعاهم، وبعد ما الحوار اللي بينهم خلص، أبويا أخدني وجري على برة البيت، وقتها المشهد اتبدل مرة تانية ورجع لشكله الأصلي، وفي اللحظة دي، سمعت نفس الكائن بيقولي:
-الخلفاوي باع روحه لينا في سبيل حياتك، لكنه مات، ودلوقتي العهد اتنقض، وفي المقابل، هتاخد ورثك وتكمل معانا المشوار.
-بس انا مش عايز أكمل.. مش عايز أكمل.
-سيبنالك فرصة وأنت رفضت تختار، لكن زي ما قولنا، الإختيار، إجبار.
خلص كلامه وحسيت إن روحي بتتسحب، بعدها الرؤيا بدأت تكون ضبابية، ومعاها، اتحركت ناحية الكنبة غصب عني، حركتها وفضلت اكسر في الحيطة، قدرة وطاقة غريبة كنت حاسس بيها، وفي وسط ما انا بكسر سمعته بيقولي:
-الكتاب هو اللي بيختارك، في أي مكان، وڤي أي زمان.
وكسرت الحيطة، بعدها طلعت الكتاب، وبمجرد ما لمست الجلد اللي عليه، جسمي قشعر وحسيت بكهربا في جسمي، والكائن اللي مش مفارقني من صغري وقف قدامي وقالي:
-افتحه وأقرأ، وده أخر إختيار.
ماكنش قدامي غير إني أفتح الكتاب وابتدي في القراية، وفعلًا، عملت كده وفتحته، لكن الغريب والمرعب، هو إني فهمت الكلام اللي مكتوب، واللي فيما معناه، إني هبقى مطيع ومعاون ليهم، واجهة زي ما بنقول كده، ولو حاولت أطعن في العهد، روحي هتتحبس معاهم، وده لحد ما يلاقوا شخص تاني يبقى الوريث، وهو اللي هيبقى له الحق في إني أخرج، ولا أفضل محبوس، وده اللي حصل معايا لما الكائن ده قالي:
-في ايدك القرار، تعفوا عن جدك؟
-انتوا ازاي كده؟
-احنا بنساعد مش أكتر، واختيارنا، هو سعادة ليك.
-ولو رفضت أخرجه؟
-هيفضل متعذب معانا، بين الجدران.
مافهمتش الجملة قبل ما أقوله يخرجه، لإن في اللحظة، الحيطة اتشقت وظهر هيكل عظمي لانسان باين عليه إنه كان متعذب وخايف، والهيكل العظمي ده كان يخص جدي، الغريب، وعشان أنا خلاص، اتحطيت قصاد الأمر الواقع، كملت معاهم مُجبر، وأول حاجة عملتها، هي إني دفنت الهيكل العظمي بتاع جدي، بعدها ابتديت الجلسات، اللي كان بيجيلي فيها ناس مشاهير وشخصيات عامة ومهمة، بقولهم فيها عن أسرار ومؤامرات مهمة وخطيرة بتحصل من وراهم، وده مش سحر، دي أخبار بتنقلها الأرواح ليا، وعن طريقي بقولها للناس، ومش بس كده، كان فيه كلام كانوا بيطلبوا مني أوصله لشخصيات معينه، وماكنش لازم هم اللي يجوا، لإني أوقات كنت بتصل بيهم وأساومهم بحاجات أعرفها، ومع الوقت، اتشهرت بالروحاني، لإني اتبعت طريقة جديدة بعيدة عن طقوس الدجل، والجلسات كلها كانت طبيعية، وعشان أنا بحب الراحة، بنيت بيت كبير على أول البلد، ومع الوقت، بدأت أزهق، وفي كل مرة حاولت أبعد فيها عنهم، كانوا بيهددوني، والمثال دايمًا كان جدي، لكني تعبت، ودلوقتي بحكيلكوا قصتي، أنا أه عارف إنكوا مش هتقدروا تساعدوني، لكن خلاص، كفاية اللي بيحصل لحد هنا.
تمت بحمد الله.
أندرو شريف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى